رغم إدراج مجلس الوزراء ضمن جدول اعماله مشروع القانون المعجّل المكرر الذي يرمي الى تعديل المادتين /5/ و/47/ من قانون النقد والتسليف بما يُجيز له اتخاذ قرار بإصدار الأوراق النقدية من أي فئة كانت، ما يسمح له بإصدار ورقة الـ500 ألف او المليون ليرة او غيرها، الا انّ شيئاً لم يصدر في هذا الخصوص. لكن ما الفائدة من هذه الخطوة وهل من تداعيات لها من ناحية التضخم والقدرة الشرائية للمواطنين؟
يقول الرئيس السابق «للجنة الرقابة على المصارف» سمير حمود لـ»الجمهورية» ان طبع العملة بفئات رقمية أكبر هو لتسهيل التداول خصوصاً عندما يصبح حجم الكتلة النقدية المتداولة بالعملة المحلية مرتفع جداً، وهذا ما يؤدي نفسياً الى الهروب من الادخارات بالعملة اللبنانية نحو شراء الدولار. ويضيف: بغضّ النظر عن الطبع، مَن مِن اللبنانيين اليوم يدّخر بالليرة اللبنانية؟
وأكد انه لا يمكن ان تؤدي هذه الزيادة بأي شكل من الاشكال الى زيادة في التضخم فالطباعة هي نتيجة للأزمة وليست سبباً، والمشكلة الاساسية التي لا يمكن ان نحيد عن معالجتها اليوم هي العجز في الدين العام والعجز العام، وبالتالي ليس الهَم زيادة الأصفار التي يمكن ان نزيلها عندما يكون هناك توازن، وليس طبع العملة مَن يعلّي الاسعار إنما العجز في الموازنة وعدم قبول الناس لعملتهم المحلية كعملة ادّخار او عملة اقتراض. فالليرة اللبنانية تستعمل اليوم كعملة «فراطة» بينما الدولار هو العملة الاساسية في التداول.
ورداً على سؤال، قال حمود: انّ مصرف لبنان يربح من طباعة فئات جديدة أعلى من العملة الوطنية من خلال «حق الابراء» او Seigniorage اي كلفة اصدار الورقة او العملة مقارنة مع قيمتها الشرائية، بحيث ان كلفة طباعة الـ 100 الف ليرة تتساوَى مع كلفة طباعة المليون ليرة الّا ان الربح من طباعة الاولى هو 99 الفاً، بينما الربح من طباعة المليون هو 990 الف ليرة.
ضياع استقلالية المركزي
من جهة أخرى، وُوجِه إدراج بند زيادة فئات جديدة على العملة الوطنية من ضمن جدول اعمال مجلس الوزراء باعتراضات قانونية على الخطوة كَون هذا القرار منوط اساساً بالمجلس النيابي، واعتبر بدعة تضع استقلالية المركزي على المحك وتجعله يخضع للتابعية السياسية وتحديداً لوزارة المالية.
وفي السياق، يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني لـ»الجمهورية» ان في كل بلدان العالم ينصح بأن يكون هناك استقلالية للمصرف المركزي عن الحكومة بحيث لا يكون للحكومة اي تدخل بالسياسة النقدية كي لا تصبح هي من يطبع الليرة من اجل تمويل نفقاتها الخاصة، الامر الذي يحصل راهناً في لبنان. وقال: قوانيننا تحفظ استقلالية المصرف المركزي وتنيط به مهمة استقرار الاسعار وتمنع تدخل الحكومة بأعماله، في حين انّ من مهمات الحكومة تعزيز النمو وامور أخرى ولا دخل لها بطباعة الليرة البَتة.
ورأى مارديني انّ إعطاء الحكومة صلاحيات تتعلّق بالشق النقدي في البلاد يعني المزيد من تدخل الحكومة في السياسة النقدية وهذا أمر غير محبّذ البتة لأنه يخشى ان تكون الدوافع من ورائه سياسية وشعبوية، في حين يجب ان تكون هذه القرارات تقنية بحتة على اساس ما تقتضيه مصلحة البلد. ورأى انّ تَزامن تمرير قرار رفع الرواتب للقطاع العام مع طباعة العملة يوحي بدمج القرارين وخلط الحابل بالنابل.
ورداً على سؤال، أوضح مارديني انّ قرار طباعة فئات جديدة من العملة الوطنية منوط بمجلس النواب بناء على قانون النقد والتسليف بحيث يتقدّم المصرف المركزي منه باقتراح في ذلك، لكن ما يحصل اليوم بنقل هذه الصلاحية من المجلس النيابي الى الحكومة اللبنانية، بحيث باتَ على المصرف المركزي ان يطلب ذلك من وزارة المالية بدلاً من مجلس النواب، وبالتالي باتَ للمالية تأثير أكبر على المصرف المركزي في الوقت الذي يجب ان يكون مستقلاً عنها تماماً. وبالتالي، اذا ما أراد المركزي في المستقبل ان يطبع فئات جديدة بات عليه أخذ موافقة وزارة المالية، والله أعلم في لبنان ما يمكن ان تطلب منه المالية في مقابل هذه الخدمة.
أما عن تداعيات طباعة فئات جديدة على السوق، وعلاقتها بالتضخّم يقول مارديني: ان السبب الاساسي للتضخّم هو طباعة الليرة، وبالتالي طالما انّ المصرف المركزي يطبع الليرة ويضخَ اوراق الـ 100 الف ليرة، فهذا يعني انّ كل فرد سيعمد الى استبدال هذه العملة الوطنية الموجودة بكثرة في السوق بالدولار، فيرتفع سعره مقابل انهيار الليرة. وعَزا مارديني التضخّم وانهيار سعر صرف الليرة الى طباعة الليرة.
وبالتالي، طالما انّ المركزي يطبع ليرات فما تأثير طبع ورقة الـ100 الف ليرة وورقة المليون على السوق؟ يقول مارديني: الفارق يكمُن في كلفة الورقة، فالمركزي على سبيل المثال توقّفَ عن طبع ورقة الـ1000 ليرة نظراً لأنّ كلفتها أعلى من قيمتها. كذلك اذا استمر التضخّم وباتت كلفة طباعة المئة الف ليرة أعلى من قيمتها سيتوقّف المركزي عن طباعتها، ما من شأنه ان يحدّ من التضخم. لكن اليوم، وبفتح المجال أمام طباعة ورقة الـ500 الف ليرة والمليون ليرة، فهذا يفتح المجال أمام وقف طباعة ورقة الـ 100 الف ليرة والاتجاه نحو طباعة أرقام أعلى وبالوفر المُحقّق تتم طباعة أوراق نقدية أكثر.